روايه صرخه عالطريق
المحتويات
ريحانة شكل حاجبيها المميز رسمة عيناه التي تشبهها كذلك حساسية الألبان خاصتها كلما تعمق بتفحصه يجد تشابه ما بينه وبينهما قلبه صار متيقن من أنه ابنه هو وانتظاره التحليل ليس ليتأكد هو بل لأجل جسار كي يصدق هو الأخر انه أبيه حينها سيعانقه عناق جارف يشتاقه حد الۏجع
التحليل هيطلع امتى يا دكتور نادر
قالها أمين هامسا وهو يقترب من الجد لينظر له بإجهاد بكره هستلمه يا أمين بيه
هو لم يعد الآن جد لجسار
لقد فقد حفيدة قطعة روحه وقلبه
مجرد أن يعلم من هو أبيه ومن هم أهله سينساه ويختلط بهم ويعوض ما فاته سينزوي بعيدا ويتركه متنعم بدفء أسرة حقيقية ينتمي إليها فليكن معه الله حينها
هكذا هتف جسار على الجميع بتلك الكلمات وشحوب وجهه تضاعف مع سواد عيناه من قلة نومه وحزنه فاقترب أمين ورمقه بنظرة حانية وقال مش هسيبك هفضل معاك
تعجب جسار ونظرة أمين له بدت غريبة عليه لكنه تغاضي عن تحليل معناها وقال برسمية واضحة شكرا يا أمين بيه بس مش مستاهلة بإذن الله يومين وتفوق مراتي وهاخدها علي البيت انتم بقالكم اسبوع معانا وتعبتم ثم تقدم نحو جده وقال برفق وهو يربت علي كتفه كفاية كده ياجدي انت مش حمل الپهدلة دي وأنا خاېف عليك أوي ارجع بيتك وارتاح عشان خاطري وانا لو احتاجت أي حاجة مش هكلم حد غيرك يا حبيبي ده وعد
غيرة لم تخفي عن عين جده نادر فسخر داخله من المفارقة العجيبة قريبا جدا ستتبدل الأدوار ويقف هو بعيدا عن حفيده يراقب عناقه لأبيه
أحاط وجهه براحتيه وغمغم بحنان متخافش عليا يا ابني أنا بخير ومش هسيبك غير لما مراتك تفوق
غمغمت الأخيرة بحزن عبر الهاتف للأسف يا أدم زي ما هي غايبة عن الوعي أغلب الوقت صعبانة عليا أوي وكمان جسار مسكين هيتجنن عشانها ومامتها وعمو رضوان وبابا كلنا مش مصدقين اللي بيحصل بعد ماكانت الفرحة مش سايعانا فجأة
اتلقبت لحزن
معلش يا سارة ده قضاء ربنا وبإذن الله يعوضهم بطفل جديد معافى
أدم حاسة ان الموضوع أكبر من فقد الطفل نظرات بابا وعمو وجد جسار كمان مش طبيعية كأنهم مخبين حاجة
هيخبوا ايه أكتر من كده بيتهيئلك المهم ياحبيبتي امسكي نفسك شوية أنا خاېف عليكي
وزعلان عشانك
متخافش يا أدم وادعيلنا كلنا تمر المحڼة علي خير وشمس ترجع لوعيها وتتقبل الأمر
هتعدي بإذن الله
ماشي حبيبتي منتظرك
ذهب معه للمختبر لا يطيق صبرا للأنتظار ليعلم النتيجة ومعه رضوان مكث يترقب ظهوره ليهب من مقعده بعد أن بصره يغادر الغرفة التي اختفى بها
طمني يا دكتور نادر النتيجة ايه جسار طلع ابني صح
تجرع الجد ريقه وهو يرمقه من خلف زجاج نظارته قبل أن يغمغم أخيرا صح يا سيد أمين جسار أبنك
تنفس رضوان الصعداء وهواجسه المخيفة ټموت
في مهدها بينما أمين كادت قدماه تتهاوي به ليسنده بفزع امسك نفسك يا اخويا!
طلع ابني يا رضوان كنت حاسس انه ابني ابن ريحانة نجى ورجعلي بعد سنين طويلة جسار ابني
صار أمين يهذي وشقيقه يبكي فرحا لنجاة ابن أخيه ليستطرد الأول بلهفة عايز اشوفه لازم يعرف اني ابوه
طب اهدي وخلينا نفكر في طريقة مناسبة نعرفه بيها ماتنساش الولد غرقان في حزنه عشان بنتي
لأ مش هصبر
اسمحولي انا اتصرف واجيبلكم جسار في مكان مناسب للقاء زي ده لأن ماينفعش حد غريب يحضره
وذهب الجد ليستدعي جسار ويمهد له الحقيقة وليهون عليه الله ألم الفراق
الفصل السادس عشر
القلوب لا تنتظر صك هوية لتعبر المسافات لمن تحب
سلطانها نافذ أينما حلت لها عيون ترى وذراع يحتوي
لا تخطئ طريقها مهما تراكمت أسباب الضلال
انقلب عالمه رأسا على عقب صرخات قلبه العجوز تشبه صړخة صغيره حين تلقفه بين يديه قطعة لحم حمراء لا حول له ولا قوة تمزق وشاح الحقيقة عن وجهه وتجلت خبايا ماضيه هو ذاته من سيخط بدموعه كلمة النهاية من نبع مقلتيه الذابلة سيخبر جسار أنه لم يعد مجهول الهوية جذوره اضحت شجرة عريقة النسب تثير الفخر لم يعد مصدر أمانه و فخره الوحيد قريبا جدا سيصبح ذكرى بعالم صغيره سينتمي لغيره فقد كل الحق به ويا ۏجع روحه على هكذا فقد سيدعوه للحضور وليكن الله في عونه حين تحين ساعة الفراق
لا يعرف لما أصر جده أن يقابلته في الفيلا وعلى مضض ترك زوجته لرعاية والدتها وسارة متوجها إليه
عمي رضوان و أمين بيه هنا
اطلق جسار دهشته من رؤيتهما فور دخوله وغمغم أنا مش فاهم حاجة ياجماعة احنا ليه متجمعين هنا بالذات فهمني في ايه ياجدي!
تقدم نحوه الأخير وهو يحدجه بنظرة غريبة لا تخلو من الحزن العميق انا استدعيتك عشان هنا بدأت الحكاية وهنا مكتوب تنتهي يا ابني ضياعك وحزنك ووحدتك خلاص آن الأوان ينتهوا جذورك اللي كنت بتدور عليها اتشال عنها الغبار ورعرت فوق الأرض تاني و هتديك حياة جديدة وبداية تعوضك اللي فات
كلمات جده الغامضة أشعلت فضوله وحيرته أكثر دارت عيناه بين الجميع ليجد من أعينهم دموع صامتة تنهمر دون سبب
مش كان نفسك تلاقي أهلك و تعرف مين والدك يا جسار
أهله!
والده!
عقله يدور بفلك خواطره الخاطفة
بركانه الخامد اشټعل من جديد
أين عائلته!
من أبيه
له أشقاء أعمام واولاد عمومة
عشرات الأسئلة تدوي برأسه دون رحمة
لينتفض بغتة لخاطر فرض منطقيته بقوة
أيعقل أن من النقطه عقله صحيح!
آن الأوان تعرف مين هما أهلك يا ابني
هنا انتبهت كل حواسه مع حديث جده بدأ عقله يعمل بسرعة غير عادية ويحل الخيوط من عقدها وكلمات بعينها تعود وتدوي بخاطره!
في تطابق كبير في الجينات ما بينكم
التطابق ده مايحصلش غير لسببين
أولهم وأقواهم إنكم تكونوا أقارب
بصوت الطبيب انسابت في
دهاليز عقله
تنقلت حدقتاه بين أمين ورضوان وجده يغمغم
أنا عملت ليكم انتم التلاتة تحليل Dna والنتيجة أكدت مين أبوك وممكن ببساطة اقولك حالا النتيجة رجحت كفة مين فيهم وأثبت نسبك بس انا عايزك أنت اللي تحدد بإحساسك اللي عمره ماخذلك مين فيهم أبوك ومين عمك خلي قلبك يدلك علي اللي جيت من صلبه يا جسار
حملق بجده في ذهول شديد كأنه يتلمس منه يقينا
يثبت أنه لا يحلم وأنه بالفعل يقف أمام أبيه في حيز محيطه ولا يفصلهما شيء بإيماءة ونظرة حانية كنانه جده أنه يحيا واقعا لا يقبل الكذب شعور ضخ بروح جسار قوة وتقدم نحوهما ودموعه تنهمر دون إرادة وجسده يرتعد من فرط ما هو مقدم عليه جال بينهما مليا ودون شعور دنى من أمين وامتدت يده المرتجفة يتحسس وجه أبيه هو يطلق أه ۏجع لحرمانه من ابنه الأول كل هذه السنوات لم يكن يعلم أنه
حيا يرزق ظن النيران التهمته بأحشاء والدته لو علم بنجاته لما هدأ حتي وجده
كفاية كده يا أمين سيبني اخد ابن اخويا شوية
قالها رضوان وهو ينتزع جسار من صدر أبيه ويتلقفه بصدره رابتا علي ظهره وهو يهتف من يوم ما شوفتك في عيد ميلاد سارة حسيت اني حاجة شدتني ليك بس كدبتها ومع الوقت نسيت أتاري الډم حن لبعضه وقلبي عرفك يا حبيب عمك
العبرات كانت خير عنوان لما بحياه جسار يبكي ولا يصدق انه يتعانق الآن هو وأبيه وعمه عادت له هويته الضائعة ولم يعد شخص مجهول مبتور الجذور ها هم أهله وعزوته حمزة ريان سارة وحبيبته وزوجته شمس ابنة عمه الغالية قطعة من روحه وقطرة من دمه
شمس
همسهل جسار بلوعة وهو يبتعد عن عمه مواصلا بلهفة شمس يا عمي شمس لازم تفوق وتعرف أنها مراتي وبنت عمي وحبيبتي يمكن ده يخليها تخف وترجع زي الاول
بفيض حنان وحب يذيب القلب لثم أمين ظهر ابنه كنوع من الدعم له بينما احتوى رضوان خديه قائلا كل الدنيا هتعرف ياحبيبي مش بس شمس ولاد عمك واختك سارة وخالتك جمانة أخت ريحانة أمك
ريحانة!
كثيرا ما حاول تخيل أسمها توقع لها أسماء كثيرا في عقله لم يصل أحداهم لجمال هذا الأسم
أسمها گ عبق الجنة القابع أسفل قدميها لم يكتب له نعيم قربها في الدنيا لكنه سيفعل كل ما بوسعه ليقابلها و يهدي روحها الطاهرة عناقيد عمله الصالح بدنياه حين يآويه الثرى
جذبه أمين وهو يضم كتفيه برفق يلا ياحبيبي تعالى معايا العيلة والدنيا كلها لازم تعرف انت مين عشان يفرحوا معانا من انهاردة انت بقيت أهم وأغلى شخص عندي وعند الكل مش هتكون لوحدك تاني
سحر ما يحياه جسار بلحظة حياته الفارقة جعلته يستجيب لدعوة أبيه وكاد يغادر حيز الغرفة قبل أن يتوقف بغتة ويستدير خلفه لينخلع قلبه مع استدارته تلك وهو يري جده الحبيب ينظر له باكيا بنظرة تشق القلب كأنه يودعه للأبد كأنه فقد الحق به شعور جعل جسار يندفع مثل الطفل ليتشبث به بقوة هاتفا إياك ياجدي إياك أشوف في عيونك النظرة دي تاني محدش هيقدر ياخدني منك ولا يمحي مكانتك في قلبي وحياتي لأنك حتة مني انت اللي ربتني وتعبت لحد ما كبرتني و ماحرمتنيش من حنانك وحبك آوتني تحت جناحك و حمتني من البرد و چحيم التشرد ظهور أهلي دلوقت مش هيخليني ابعد عنك بالعكس لو عيلتي اكتملت فانت اهم شخص فيها يا جدي أنت كبيرنا كلنا ومكانك هيفضل محفوظ
ظل جسار يعانق جده وهو يصيح بكلماته ليثبت له أنه لا يزال عالق بطرف جلبابه كمان كان مازال يحبه وينتمي إليه ثم جذب كفه وهو يصيح بمشاعر مفعمة بوفاءه لذاك الرجل تعالى معايا يا جدي عشان زي ما اهلي لأزم يعرفوني لازم كمان يعرفوا الراجل اللي رباني السنين دي كلها و له الفضل الأول والأخير عليا صح يا بابا
قالها بعفوية ليرتجف قلب أمين بين ضلوعه من حلاوة النداء الذي انحرم من سماعه القدر خبأ له أجمل هدايته في خريف العمر كأنه لم يسمع تلك الكلمة من قبل طيلة عمره أما جسار فأعادها عقله ثانيا لتترد داخله وتسد شقوق روحه وتروي أرضه القاحلة التي نبتت بها معجزة هويته من جديد
صح يا حبيب ابوك
قالها أمين داعما له بقوة ثم اقترب من الجد ونظر له بتقدير جم وهو يخبره بما يستحق لو فضلت عمري اللي باقي كله اشكرك
علي تربيتك لابني مش قدر أوفيك حقك يا دكتور نادر أنت ربيته
متابعة القراءة