فإذا هو القلب
هي عموما اتنقلت العناية المركزة وممنوعة من الزيارة بأوامر الدكتور تنفست أسيف الصعداء لعدم تدهور حالة والدتها وسألتها تعطاف طب مش هاعرف أشوفها عاوزة أطمن عليها الله يكرمك! ردت عليها الممرضة بجفاء ده اللي أعرفه عنها! ثم أشارت بذراعيها في الهواء متابعة بضجر وأكيد إنتي شايفة الوضع دلوقتي عامل ازاي كلنا بنحاول ف الأضرار اللي عملها البلطجي ده! هزت رأسها بتفهم و أن تنطق مجددا تركتها الممرضة وانصرفت. وقفت أسيف في مكانها عاجزة عن التفكير بذهن صافي. فبالها أصبح مشغول كليا برؤية أمها. هي اطمأنت على حالها إلى حد ما لكنها تتوق إلى رؤيتها بعينيها ليهدأ قلبها الملتاع عليها. لم يمض الكثير حتى ولج دياب وباقي رجاله للداخل لتفقد حال منذر بعد أن نفذ صبره. لحق به والده وعواطف وابنتها كل يبحث عمن يخصه. صاح دياب بصوت متحشرج حصلك حاجة يا منذر قولي! ثم دقق النظر فيه متفرسا تفاصيله ليتأكد من عدم إته بمكروه متابعا بحدة عصبية انت كويس فيك حاجة حد اتعرضلك وربنا أعمل معاه الصح واه هنا رمقه الضابط بازدراء قائلا بتحذير هي مش فتونة يا اسمك ايه انت! رد عليه دياب غير مكترث به لا يا باشا ده أخويا يعني لحمي ودمي! هتف منذر بصوت هاديء عقلاني خلاص يا دياب متفردش دراعاتك على الحكومة الموضوع مش مستاهل! ضغط دياب عى تيه بقوة وحدج الضابط بنظرات محتقنة للغاية ولم ينطق بالمزيد. بحثت عواطف عن ابنة أخيها وسط الحضور تلك الصغيرة التي لم ترها من ظلت تتخيل شكلها ومن تشبه لكنها لم تتوقع أن تلقاها في ظرف كهذا. اقتربت من منذر وسألته بصوت متلهف وعيناها تدوران بحيرة وخوف في أرجاء المكان فين بنت أخويا هي.. هي مش كانت معاك الټفت هو نحوها ونظر لها بوجه خال من التعابير مجيبا إياها باقتضاب ومشيرا بعينين جامدتين أعدة هناك! استدارت بجسدها إلى حيث أشار فاضطربت أنفاسها وتوترت دقات قلبها أكثر وهي تمعن النظر في تلك الجالسة على المقعد المعدني المنزوي. توقفت نيرمين في مكانها مترددة فيما تفعله وفضلت أن تتابع المشهد من بعيد وألا تتدخل فيه وراقبت بفضول ردة فعل والدتها مع ابنة خالها. شعرت عواطف بالارتباك والخۏف وهي تقترب منها رويدا رويدا.. حاولت أن تتفرس في وجهها لترى ملامحها بوضوح. رأت تلك اللمحات الحزينة الطافية على قسمات وجهها المجهد وذلك الع الجلي المعبر عن حالها. ظلت تدنو منها بتمهل دارسة لكل شيء فيها. تمنت لو كانت تجمع سمات أبيها الراحل فتعوض عن غيابه بوجودها حية معها وفي وسطهم وقفت قبالتها وعمقت نظراتها إليها هتفت بلا وعي وبصوت يمزج بين الفرح والبكاء آ.. أسيف! كانت الأخيرة شاردة في عالم أخر خاص بها لم تستطع الانصراف دون رؤية والدتها أولا فأثرت البقاء حتى تطمئن عليها بنفسها. لم تشعر بنفسها وهي تبكي في صمت متحسرة عليها. ظلت تدعو الله بتضرع بقلبها لعله يهون عليها وينجيها مما هي فيه. انتبهت إلى صوت تلك السيدة المنادية بإسمها فرفعت رأسها في اتجاهها ونظرت نحوها بغرابة بأعينها الدامعة. أكملت عواطف قائلة بصوت خفيض وحاني وهي تطالعها بنظراتها الدافئة أنا عمتك عواطف يا بنت أخويا الغالي ...!!! الفصل السادس عشر ضجرت بسمة من الانتظار أمام الحاجز المعدني وتلفتت حولها بإستياء محاولة التفكير في وسيلة تمكنها من الصعود لمنزلها. كان الأمر شبه مستحيل بسبب الحصار الأمني حول البناية بسبب حاډث إة تلك السيدة مجهولة الهوية في الأخير اضطرت أن تذهب إلى حديقة قريبة من منطقتهم الشعبية لتمكث بها. وطوال تلك المدة حاولت مهاتفة أمها وأختها ولكن دون جدوى رنين متواصل ولا إجابة على الإطلاق. زفرت لأكثر من مرة مرددة بيأس لنفسها عيلة مامنهاش أمل خالص كل ما أعوز حد فيهم يختفوا هافضل أنا كده مقضياها في الشارع! نفخت بصوت مسموع متابعة حديث نفسها وهي تدور بعينيها ببطء على ما حولها استغفر الله العظيم كله بسبب أر الجزار الفقر ده! عينه مش رحماني! لمحت أحد الباعة الجائلين المتخصصين في بيع الحلوى منزلية الصنع فنهضت من مقعدها وهتفت فيه بصوت مرتفع انت يا عم! استنى! توجهت نحوه وتفقدت بنظرات ثاقبة متفحصة ما معه لتشتري المناسب لها لتسد جوع معدتها الخاوية. عاودت الجلوس على مقعدها وقضمت ة كبيرة من الحلوى متناولة إياها بشراهة ولم تتوقف عن محاولة الاتصال بعائلتها. وصلت أخبار الحاډثة الغريبة إلى مسامع الحاج مهدي وابنه لكن لم يهتم الأخير كثيرا بمعرفة التفاصيل. مجرد أحاديث عابرة من المارة ورواد المطعم جذبت انتباهه فردد مستنكرا رد عليه أبيه بتذمر من أسلوبه الغير مكترث خليك في نصيبتك انت! نظر مازن نحوه بطرف عينه قائلا مش خلاص هنحلها أسند مهدي كفيه على سطح مكتبه مرددا بتوجس ربك بس يسترها ومنعلقش مع دياب! رد عليه مازن غير مبال بتبعات ما سيحدث ولو علقنا ايه يعني! نظر له والده شزرا وهتف متبرما من استخفافه بالأمور هاتفضل طول عمرك متسرع ومتخلف وباصص تحت رجلك! نفخ مازن قائلا بنفاذ صبر ما كفاية تهزيق يا حاج رد عليه مهدي معللا ماهو أنا مبؤوء مزعوج منك ومن عمايلك! نهض مازن من على مقعده قائلا باقتضاب وهو عابس الوجه أنا ماشي رد عليه والده بازدراء يكون أحسن وماتتأخرش عن مشوار بالليل لم يعلق عليه مازن بل اكتفى بالتحديق المنزعج نحوه ثم انصرف من أمامه وهو يبرطم بكلمات غير مفهومة بعد برهة كانت بسمة قد ملت من جلستها الغير مفيدة تلك فقررت العودة إلى منزلها وبالفعل وجدت أفراد الشرطة يجمعون أشيائهم فهتفت بإرتياح أخيرا هاطلع بيتنا كانت شورة مهببة إني أفضل كده! انتظرتهم حتى أفسحوا الطريق للجيران للولوج والخروج فخطت إلى داخل بنايتها. قابلتها أثناء صعودها على الدرج إحدى الجارات متسائلة باهتمام أخبار قريبتكم ايه نظرت لها بسمة بغرابة قاطبة جبينها ومرددة بعدم فهم قريبة مين دي وضعت الجارة إصبعيها على طرف ذقنها قائلة بإستنكار هو انتي مش دريانة باللي حصل ولا ايه هزت رأسها نافية وأجابتها ببلاهة قليلة لأ ليه هو أنا عايشة في كوكب تاني ولا حاجة! أمسكت بها الجارة من ذراعها جاذبة إياها لداخل منزلها مرددة بجدية طب تعالي جوا أما أقولك بدل وقفتنا على السلم! طيب قالتها بسمة وهي تلج معها لصالة منزلها فالفضول يدفعها لمعرفة تفاصيل الأمر كله. ضاقت نظرات ذلك الشخص ذو ملامح الوجه السمراء و الحادة للغاية والذي لم تتضح أغلب تفاصيل وجهه بسبب قلة الضوء في تلك الحجرة المظلمة وهمس متسائلا بجدية انت متأكد من الكلام ده رد عليه الشخص الأخر مؤكدا بثقة ايوه الصول لسه مبلغني فيه عفو لشوية مننا ده قرار من وزير الداخلية ناقص بس يتصدق عليه! تحرك مجد قليلا نحو شعاع الضوء المنبعث من القضبان المعدنية ليردد بتمني يا سلام لو اسمي يكون ضمن المفروج عنهم! تنهد زميله السجين بعمق ليضيف بمكر يا مسهل أنا هاغمز الصول ولو عرف حاجة هاخليه يبلغنا على طول! الټفت مجد نحوه وتابع متمنيا وقد ارتخت تعابير وجهه نوعا ما يا ريت ويبقاله الحلاوة! تساءل زميله بخبث وهو محدق به هو بس! ربت مجد على كتفه بقوة قائلا بابتسامة باهتة إنت ه هخليك تتروق على الأخر! ثم زادت نظراته ضيقا وتابع بصوت واثق متغطرس خدها مني كلمة مجد أبو النجا لما بيوعد بيوفي هتف المسجون صائحا بحماس الله عليك يا عمنا! هانعمل ايه قالتها إحدى الممرضات متسائلة بتوجس وهي تنظر إلى زميلتها المتواجدة معها بغرفة العناية المركزة ردت عليها الأخرى بصوت خفيض مالناش دعوة احنا ماشوفناش حاجة اللي حصل حصل ده قضا ربنا عمرها وخلص! همست لها الممرضة بنبرة مرتعدة بس دي غلطة الدكتور.... قاطعتها الأخرى محذرة بجدية صارمة ششش.. كلي عيش زيها زي أي حد جه وماټ عندها في المخ سامعة! ابتلعت الممرضة ريقها بتوجس بينما أكملت زميلتها ببؤس احنا غلابة ومش حمل رفد ولا پهدلة ولا حتى نقل لمستى في أخر الدنيا وكده كده مكانتش هتطول كتير! اضطرت الأخيرة أن ترضخ لتحذيراتها المھددة فهما بالطبع أفقر من تحمل تبعات ڤضح مسألة ذلك الخطأ الطبي المتعمد من الطبيب لذلك رددت مستسلمة طيب! تحركت ممرضة ثالثة في اتجاه الطبيب الذي كان يدون تاريخ الۏفاة متسائلة بنبرة رسمية ايه المطلوب مننا يا دكتور نظر في اتجاهها متسائلا بجمود في حد جه مع المصاپة حد من أهلها يعني! أومأت برأسها إيجابا مرددة ايوه تقريبا! تابع مكملا بهدوء بارد اعتاد عليه طيب اعرفيلي هما فين وأنا بنفسي هانزل أبلغهم! حركت رأسها بإيماءة خفيفة متمتمة حاضر حدقت عواطف في ابنة أخيها بنظرات حانية للغاية وهتفت من بين تيها بصوت شبه باكي أنا عمتك يا ضنايا ايه مش عرفاني! رمقتها أسيف بنظرات مصډومة نوعا ما.. لم تتوقع أن تقابلها في المى بل لم يخطر ببالها أن تعرف مكانها وتحضر إليها. حمدلله على سلامتك يا بنتي أنا مش عارفة أقولك ايه! تراجعت للخلف لترى وجهها عن كثب وأكملت حديثها بصوتها المتأثر والله لو أعرف إنكم جايين مكونتش نزلت من البيت خالص! لولا بس تعب البت رنا كنا.... تجمدت نظرات أسيف فجأة ونظرت لها شزرا ثم هتفت بقسۏة مشحونة مقاطعة إياها ماما في حالة خطړة بسببكم! جزعت عواطف من هجومها الغير متوقع عليها واتهامها الصريح لها بالتسبب في حاډثة أمها وحدقت فيها بذهول تام.... أضافت أسيف قائلة بمرارة احنا لو مكوناش سيبنا البلد وجينا هنا كانت ماما فضلت زي ما هي! صدمت عمتها مما تفوهت به وعجزت عن الرد عليها. ارتفعت نبرة صوت أسيف أكثر وهي تكمل بقسۏة غريبة لا تعرف من أين جاءتها وهي تشير بسبابتها إنتي السبب! ايوه إنتي السبب! انتبه الجميع إلى صوت صياحها الذي تحول إلى صړاخ حاد وهي تستأنف اتهاماتها القاسېة لو ماما جرالها حاجة أنا مش هاسامحك أبدا مش هاسامحك! استغرب منذر من الصدام الدائر بين الاثنتين. فقد خالف الأمر توقعاته تماما وتابع باهتمام كبير ما يحدث. بالطبع كان يعتقد أنها بائسة متسولة ألقاها القدر في طريقه وأجزم أن مهنتها التي تؤديها بحرفية هي استجداء عطف الأخير والتسبب في صنع الحوادث لكن بدأت شكوكه تتزعزع حينما عرف هويتها ورغم إنكاره لذلك ورفضه تصديقه في البداية إلا أنه تيقن من خطأ إعتقاده وسوء ظنه بها حينما تابعت